السبت، 24 يونيو 2017

السبت، 3 يونيو 2017

ملامح في فن تحقيق المخطوطات د. محمد حسان الطيان

هذه ملامحُ عامةٌ في فن تحقيق المخطوطات، يحتاج إليها كلُّ من أراد معرفةَ شيء عن هذا الفن، أو العمل به.

• تمهيد:

التحقيق في اللغة: العلم بالشيء، ومعرفة حقيقته على وجه اليقين.

والكلام المحقَّق: المُحكَم الصَّنعة الرصين.

والتحقيق في الاصطلاح: هو الفحص العلمي للنصوص، من حيث مصدرُها،  وصحة نصها، وإنشاؤها، وصفاتها، وتاريخها، وبعبارة أخرى: "أن يؤدَّى الكتاب أداءً صادقًا كما وضَعَه مؤلِّفُه كمًّا وكيفًا بقدر الإمكان". 

أما موضوعه، فهو المخطوطات العربية القديمة، على اختلاف علومها وفنونها، وهي التي تشكل تراثَنا العربي، وهدفُه الوصول إلى الكتاب المحقق، وهو الكتاب الذي صحَّ عنوانُه، واسمُ مؤلِّفِه، ونسبةُ الكتاب إليه، وكان متنُه أقربَ ما يكون إلى الصورة التي ترَكَها مؤلفُه.

فكيف يمكننا الوصولُ إلى هذا الكتاب؟ وما المنهجية التي وضعها أرباب هذا العلم؟ هذا ما سنحاول إيجازه في الملامح الآتية:
• صفات المحقق وشروط التحقيق:
 ليس التحقيق أمرًا هينًا، فيغدو نُهْزَةَ المختلِس، إنه عند المكابدة والمعاناة أشدُّ على النفس من تصنيف كتاب جديد، وهذا ما فَرَضَ على المشتغل فيه شروطًا لا بد من توافرها فيه؛ ليستقيم له عملُه، كما اقتضى منه أخلاقًا لا بد من التحلِّي بها؛ كيما يؤتي عملُه أُكُلَه على خير وجه، ولا شك أن الجانب الخُلقي لازمٌ قبل كل شيء؛ لأن العمل العلمي في جوهره عملٌ أخلاقي.

أما أبرز تلك السجايا التي ينبغي أن يتحلَّى بها المحقِّقُ، فهي الأمانة والصبر، إن الأمانة في أداء النص صحيحًا بلا تزيد أو نقصان - تقتضي من المحقق سخاءً بالجهد والوقت، وصبرًا على العمل بلا حساب.

وأما الشروط والمؤهلات العلمية، فهي تقسم إلى قسمين: عامة وخاصة.

• المؤهلات العامة:1- أن يكون عارفًا باللُّغة العربية - ألفاظها وأساليبها - معرفةً وافية.

2- أن يكون ذا ثقافةٍ عامة.
3- أن يكون على عِلم بأنواع الخطوط العربية، وأطوارها التاريخية.
44- أن يكون على دراية كافية بالمراجع والمصادر العربية (ببليوغرافيا)، وفهارس الكتب العربية.
5- أن يكون عارفًا بقواعد تحقيق المخطوطات، وأصول نشر الكتب.

• المؤهلات الخاصة:

 على أن موضوع الكتاب المحقَّق يفترض على المحقِّق - بالإضافة إلى ما سلف - أن يكون متخصصًا به، عارفًا بأصوله، فمن أراد تحقيق مخطوطٍ في النحو، فعليه أن يكون نحْويًّا ذا دراية بتاريخ النحو والنحاة ومدارسهم، ومن أراد التحقيق في الرياضيات، فعليه أن يكون رياضيًّا ذا دراية بتاريخ العلوم عند العرب... وهكذا.

جمع النسخ وترتيبها:

• الجمع:
 لا بد أن يسعى المحقِّقُ بادئَ ذي بدء إلى التعرُّف على نُسَخ مخطوطه التي قد تكون منتشرة في مكتبات العالم، ووسيلتُه إلى ذلك فهارس المخطوطات المختلفة، على أن أجلَّ الكتب المصنفة في هذا الباب، وأكثرها نفعًا للمحقِّق: كتاب "تاريخ الأدب العربي" للمستشرق الألماني كارل بروكلمان؛ فهو سجلٌّ ضخمٌ للمصنفات العربية، سواء المخطوط منها والمطبوع، مع العناية بتراجم المؤلفين، والدلالة على أماكن وجود المخطوطات في مكتبات العالم المختلفة، وقد ترجم إلى العربية أجزاء منه، وما تزال بقيته تنتظر من يترجمها، وكذا كتاب "تاريخ التراث العربي" للأستاذ الدكتور فؤاد سزكين، وهو أعظم من كتاب بروكلمان.

• ترتيب النسخ:

مراتب النسخ تكون على النحو الآتي:
1- أحسن النسخ نسخةٌ كتَبَها المؤلفُ بخطِّه، فهذه الأم.

2- نسخة قرأها المصنِّف، أو قُرئت عليه، وأثبت بخطِّه أنها قرئت عليه.

3- نسخة كُتبتْ في عصر المؤلف، وتفضُل التي عليها سماعاتٌ على علماء إن وجدت.

4- نسخ أخرى كتبت بعد عصر المؤلف، وفي هذه النسخ يفضل الأقدم على المتأخر، والتي كتبها عالم، أو قرئت على عالم، وقد تُقدَّم نسخة متأخرة على أقدم منها لاعتبارات أخرى (كونها أكثرَ ضبطًا، وأقل تحريفًا...)، أما النسخ التي لا تاريخ عليها، فلا بد من تحديد تاريخها اعتمادًا على خطها، ونوعية ورقها وحبرها.

وعلى أي حال، فلا يجوز أبدًا أن يُنشر كتابٌ ما عن نسخة واحدةٍ، ما دام له نسخ أخرى معروفة؛ لئلا يعوزه التحقيق العلمي والضبط.

• تحقيق النص:

 غاية التحقيق: تقديمُ المخطوط صحيحًا كما وضَعَه مؤلِّفُه، أو هو أقرب إلى ما وضعه مؤلفه، دون شرحه، ومعنى ذلك أن الجهود التي تبذل في كل مخطوط يجب أن تتناول البحث في الزوايا الآتية:

1- تحقيق عنوان الكتاب:

 وليس بالأمر الهين؛ فبعضُ المخطوطات خِلْوٌ من العنوان؛ إما لفقْد الورقة الأولى منها، أو لانطماس العنوان، أو لمخالفته الواقعَ لداعٍ من دواعي التزييف أو الجهل، ولا بد في هذه الأحوال من الرجوع إلى طائفة من كتُب التراجم والتصنيف، كـ"الفهرست" لابن النديم، و"كشف الظنون" لحاجي خليفة، و"معجم الأدباء" لياقوت الحَمَوي، وغيرها، ويساعد في ذلك أيضًا معرفةُ أسلوب المؤلف وطريقته في التصنيف.

2- تحقيق اسم المؤلف ونسبة الكتاب إليه:

 لا بد من التأكُّد من صحة ما يوضع على غلاف المخطوطة من معلومات؛ فقد يُنسب كتابٌ إلى غير صاحبه، وخيرُ مثال على ذلك "معجم العين" - أول معجم في تراثنا العربي - فقد نُسب إلى الخليل بن أحمد، وفي هذه النسبة نظرٌ، وقد يُطمَس اسمُ المؤلف، أو يمحى، أو يعتريه التصحيف والتحريف، فالنصريُّ قد يصحف بالبصري، والحسنُ بالحسين، والخرازُ بالخزار... إلخ، كلُّ ذلك يوجب علينا أن نراجع فهارس المكتبات، وكتب المؤلفات، وكتب التراجم والمتشابه، وكتب التصحيف والتحريف؛ لنقف على حقيقة المؤلف، ونستوثق من نسبة الكتاب إليه.

وتُعَدُّ الاعتباراتُ التاريخية من أقوى المقاييس في تصحيح نسبة الكتاب أو تزييفها؛ فالكتاب الذي تُحشد فيه أخبارٌ تاريخية تالية لعصر مؤلِّفه الذي نُسب إليه، جديرٌ بأن يسقط من حساب ذلك المؤلف، من ذلك كتابٌ يُنسب إلى الجاحظ عنوانه: "تنبيه الملوك والمكايد"، فيه كلام على كافور الإخشيدي، مع أن هذا الأخير ولد بعد وفاة الجاحظ بعشرات السنين (292هـ)، على حين توفي الجاحظ سنة (255هـ).

3- تحقيق متن الكتاب:

ومعناه: أن يؤدَّى الكتاب أداءً صادقًا كما وضعه مؤلفه كمًّا وكيفًا بقدر  الإمكان، فليس المتن تحسينًا أو تصحيحًا، وإنما هو أمانة الأداء التي تقتضيها أمانةُ التاريخ؛ فإن متن الكتاب حُكمٌ على المؤلف، وحكم على عصره وبيئته، وهي اعتبارات تاريخية لها حُرْمتُها، كما أن ذلك الضرب من التصرُّف عدوانٌ على حقِّ المؤلف الذي له وحده حقُّ التبديل والتغيير.

• خطر تحقيق المتن:

 قديمًا قال الجاحظ: "ولربما أراد مؤلِّفُ الكتاب أن يصلح تصحيفًا، أو كلمةً ساقطة، فيكون إنشاءُ عشر ورقات من حرِّ اللفظ وشريف المعاني أيسرَ عليه من إتمامِ ذلك النقص، حتى يردَّه إلى موضعه من اتصال الكلام"؛ (الحيوان: 1/79).

• مقدمات تحقيق المتن:

هناك مقدمات رئيسة لإقامة النص، منها:
1- التمرس بقراءة النسخةفإن القراءة الخاطئة لا تنتج إلا خطأً، وبعض الكتابات يحتاج إلى مراسٍ طويل، وخبرةٍ مديدة، ولا سيما تلك المخطوطات التي لا يطَّرد فيها النقْط والإعجام، وكذلك تلك التي كُتبتْ بقلم أندلسي أو مغربي، حيث تنقط الفاء من أسفلها (  )، وتنقط القاف بنقطة واحدة من  فوقها (ف)، أما الكاف فكثيرًا ما ترسم هكذا (لـ) في نهاية الكلمة، فتلتبس بالدال، والتشديد يرسم كالعدد (7) فوق الحرف، وقد يوضع تحت الحرف إذا كان مكسورًا، ولكن بشكل مقلوب (8).

هذه بعض اصطلاحات الخط المغربي، على أن الخط المشرقي لا يقلُّ عنه غرابة من بعض الوجوه؛ فالهمزة الواقعة في آخر الكلمة بعد الألف، قد لا ترسم البتة، وهكذا، فتلتبس كلمة (ماء) بكلمة (ما)، و(سماء) بالفعل (سما)، وقد تعوض بالمدة فوق الألف نحو (مآ) و(سمآ)، وهناك حروف تلتبس بحروف أخرى؛ لتقارب رسمها في بعض الخطوط: كالدال واللام، والغين والفاء، أما إعجام الحروف وإهمالها - أي: تنقيطها وعدمه - فله اصطلاحات خاصة، فمِن علامات الإهمال وضعُ ثلاث نقاط تحت السين، أو رسم رأس سين صغيرة تحت السين، وحاء صغيرة تحت الحاء، وصاد صغيرة تحت الصاد، أو رسم خط أفقي (-) أو هلال () فوق الحرف.

وقد تختلف كتابة الأرقام في بعض المخطوطات القديمة عما هي عليه اليوم، هذا وإن هناك رموزًا واختصاراتٍ لبعض الكلمات أو العبارات نجدها في المخطوطات القديمة، ولا سيما في كتب الحديث: نا وثنا = حدثنا، أنا وأرنا وأبنا = أخبرنا.

يقول السيوطي في ألفيته:
وَكَتَبُوا      حَدَّثَنَا      ثَنَا      وَنَا        وَدَثَنَا      ثُمَّ       أَنَا       أَخْبَرَنَا
أَوْ   أَرَنَا    أَوْ    أَبَنَا    أَوْ    أَخَنَا        حَدَّثَنِي    قِسْهَا    عَلَى    حَدَّثَنَا
وَقَالَ   قَافًا   مَعْ   ثَنَا   أَوْ   تُفْرَدُ        وَحَذْفُهَا فِي الخَطِّ أَصْلاً أَجْوَدُ[1]

2- التمرس بأسلوب المؤلف:
 وأدنى صُوَرِه أن يقرأ المحقِّقُ المخطوطةَ  المرةَ تلو المرة، حتى يخبر الاتجاه الأسلوبي للمؤلف، ويتعرَّفَ خصائصه ولوازمه، وأعلى صور التمرس أن يَرجِعَ المحقق إلى أكبر قدرٍ مستطاع من كُتُبِ المؤلف؛ ليزداد خبرةً بأسلوبه، ويتمكَّن من عباراته وألفاظه.


3- الإلمام بالموضوع الذي يعالجه الكتابحتى يمكن المحقِّق أن يفهم النصَّ فهمًا سليمًا، يجنبه الوقوعَ في الخطأ حين يظن الصوابَ خطأً فيحاول إصلاحه؛ أي: يحاول إفساد الصواب، ويتم ذلك بدراسة بعض الكتب التي تعالج الموضوع نفسه أو قريبًا منه.

4- الاستعانة بالمراجع العلمية اللازمة: ويمكن تصنيفها على الوجه الآتي:
أ- كتب المؤلف نفسه مخطوطها ومطبوعها.

ب- الكتب التي لها علاقة مباشرة بالكتاب، كالشروح، والمختصرات، والتهذيبات.

جـ- الكتب التي اعتمدتْ في تأليفها اعتمادًا كبيرًا على الكتاب.

د- الكتب التي استقى منها المؤلف.

هـ- المراجع اللغوية، وهي القياس الأول الذي نسبر به صحة النص، ونستوثق به من صحة قراءتنا له.

و- المراجع العلمية الخاصة بكل كتاب حسب موضعه وفنه.

ضبط النص والتعليق عليه:

1- النسخ والترقيم والتفصيل:
 يتم النَّسْخ عن النُّسخة الأم المعتمدة أصلاً، بخطٍّ واضح، وترتيب حسن، ولعل من أكثر الأمور أهميةً في تنظيم النص: تعيينَ بداية الفقرة؛ حيث تقدِّم انطباعًا بأن المادة التي تتضمنها تكوِّن وحدة مستقلة، مرتبطة في الوقت نفسه بالسياق العام لمجموع النص، ولا شك أن لعلامات الترقيم أثرًا كبيرًا في وضوح النص وترتيبه، وينبغي العناية بضبط النص بالشكل، ولا سيما الآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة، والشعر، والأعلام المشتبهة، ويلتزم به - أي بالشكل - في المواضع التي يؤدِّي فيها ترْكُه إلى الْتباس المعنى أو انغلاقه.

2- المقابلة:

 على المحقِّق أن يرمز لنسخ المخطوطة المختلفة برموز معينة، يشير إليها عند مقابلة النسخ، حيث يثبت اختلافاتها مع نسخة الأصل في الهامش، ولا ينبغي إثقال الحواشي بفروقات ضئيلة، واختلافاتٍ يسيرة، لا يتوقَّف عليها أيُّ معنى، ولا يتحصل منها أيُّ فائدة، كاختلاف النسخ بحرف المضارعة (يفعل - تفعل) وما شابه ذلك، وهكذا يُثبت المحقِّقُ نصَّ نسخة الأصل في المتن، ما لم تجانِبِ الصوابَ، فإذا تبين له أنها صُحِّفتْ، أو حُرِّفتْ، أو جانبَتِ الصوابَ بوجه من الوجوه - تعيَّنَ عليه أن يثبت ما يراه صوابًا مما تتضمنه بقيةُ النسخ، إلا إذا كانت نسخة الأصل بخط المؤلف، فيثبت عندئذٍ الخطأَ في المتن ويصحِّحه في الهامش، ويحسن أن يعلل المحقِّق ما يذهب إلى ترجيحه من عبارات وألفاظ تُخالِفُ ما عليه نسخةُ الأصل، وإذا احتاج النص إلى زيادة ليست في الأصول، فعليه أن يجعلها بين معقوفين [ ].

3- التعليق والشرح:

 لا ريب أن الكتب القديمة - بما تضمنتْ من معارفَ قديمةٍ - محتاجةٌ إلى توضيحٍ يخفِّف ما فيها من غموض، ويحمل إلى القارئ الثقةَ بما يقرأ، والاطمئنانَ إليه، ومن هنا كان من المستحسَن ألاَّ يترك المحقِّقُ الكتابَ غُفْلاً من التعليقات الضرورية اللازمة لفهم النص، دون شطط أو تزيُّد يؤدِّي إلى إثقال الحواشي، وتحميل الكتاب ما لا طاقة له به، إلا أن هناك أمورًا لا بد منها في تحقيق أي كتاب، وهي تخريج الآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة، والأشعار المختلفة، وترجمة الأعلام التي يمرُّ ذِكرُها، ولا بد من توثيق كلِّ ذلك بعزوه إلى مصدره والمرجع الذي أخذ منه، ويُراعى ذِكرُ الجزء والصفحة دون الإشارة إلى سائر المعلومات؛ لأن موضعها مسرد المراجع الذي يأتي الكلام عليه.

متممات لابد منها:

 قبل ختام البحث، لا بد لنا من ذِكر أمورٍ تحتاج إليها كلُّ مخطوطةٍ محقَّقة، تريد أن تأخذ طريقَها إلى النشر العلمي الصحيح:
1- المقدمة:تتضمن كلامًا حول موضوع الكتاب، وأهميته، وموقعه بين ما أُلِّفَ قبله وبعده في فنه، وقيمة مؤلِّفِه وشأنه، وترجمته مع ذكر المصادر التي ترجمتْ له، ثم وصف المخطوط الذي اعتَمَد عليه النشرُ وصفًا كاملاً، يذكر فيه عدد أوراقه، وتاريخ نسخه، ومقاسه، ونوع خطه، والإجازات والتملُّكات إن وجدت، ثم تثبت صورة الورقة الأولى والأخيرة من المخطوط، ولا بد من بيان المنهج المتبَع في التحقيق.

2- الفهارس:

 وهي مفتاح الكتاب، والغاية منها تيسيرُ الإفادة من كلِّ ما اشتمل عليه الكتابُ المنشور، وجعْل ما فيه في متناول كل باحث، وهي تختلف باختلاف موضوع الكتاب، على أن هناك فهارسَ تكاد تكون ثابتة في الكتب الأديبة والتاريخية واللغوية، وهي: فهارس الأعلام، وفهارس الأماكن والبلدان، وفهارس الشعر... إلخ.

3- مسرد المراجع:

 آخر ما يَختتم به المحقِّقُ كتابَه ذِكرُ المراجع التي اعتمد عليها في تحقيقه، ضمن مسرد يبين فيه كل المعلومات المتعلقة بهذه المراجع على النحو الآتي:

اسم الكتاب، اسم مؤلفه، اسم محققه، الدار الناشرة، مكانها، رقم الطبعة، تاريخ الطبع.

وفيما يأتي مثال على ذلك:
- التبصرة في القراءات، مكي بن أبي طالب القيسي (437هـ)، تحقيق د. محيي الدين رمضان، منشورات معهد المخطوطات العربية، الكويت، ط1، 1405. 
وبهذا يكون قد أتى على جميع مراحل التحقيق.

مراجع البحث: تحقيق النصوص ونشرها، الأستاذ عبدالسلام هارون، مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الرابعة، 1397هـ - 1977م.


 تحقيق التراث، الدكتور عبدالهادي الفضلي، مكتبة العلم، جدّة، الطبعة الأولى، 1402هـ - 1982م.


 ضبط النص والتعليق عليه، الدكتور بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1402هـ - 1982م.


 في منهج تحقيق المخطوطات، الأستاذ مطاع طرابيشي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى، 1403هـ - 1983م.


 قواعد تحقيق المخطوطات، الدكتور صلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد، بيروت، الطبعة الخامسة، 1396هـ - 1976م.


 نشأة وتطور الكتابة الخطية العربية، الأستاذ فوزي سالم عفيفي، وكالة المطبوعات بالكويت، الطبعة الأولى، 1400هـ - 1980م.


 مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين، د. رمضان عبدالتواب، مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1406هـ - 1986م.


 مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي، د. محمود محمد الطناحي، مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الأولى 1405هـ - 1984م.

ــــــــــــــــــــــــــ
[1] "ألفية السيوطي"، ص 41، ط/ دار البصائر.

عرض كتاب لكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات" لأيمن فؤاد السيد




عرض كتاب: "الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات" لأيمن فؤاد السيد


صدر الكتاب في القاهرة، 1997م، مجلدان.
دفعني للكتابة عن هذا الكتاب أمران:
أوَّلهما: موضوعه الحبيبُ إلى نفسي؛ فقد قُدِّرَ لي أن أعمل  بقسم المخطوطات بدار الكتاب خَمْسَ سنين في أوائل الستينات، وأن أكون أوَّلَ باحث يَدرُس المخطوط العربيَّ في نشأته وتطوُّرِهِ دراسةً أكاديمية، قُدِّمَتْ كرسالةِ دكتوراه إلى جامعة القاهرة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، في سنة 1967م على وجه التحديد، وما زِلْتُ أَحتفِظُ بأجملِ الذكريات عن الفترة التي عَمِلْتُها في دار الكتب، وعن كلِّ الزملاء الذين سَعِدْتُ بصُحْبَتِهِمْ فيها، سواء كانوا من جيل الزملاء الذين كانوا في ذلك الوقت يُمَثِّلون صَفْوَةً من شباب الباحثين والباحثات، تَجَرَّؤُوا على اقتحام هذا العالم الغامض؛ عالمِ المخطوطات، وتَحَمَّلوا بشجاعة وجَلَد مشقَّةَ العمل في ظروف غير مُوَاتِيَةٍ، وتعاملوا مع نَوْع من أوعية المعلومات أدركه البِلَى، وتنازعَتْهُ الآفاتُ؛ نتيجة لسوء الحفظ وسوء الاستخدام.
مجموعةٌ نادرة منَ الباحثين، لا أظن أنها توافرت لقسم المخطوطات في أيَّةِ فترة أخرى من تاريخه، منهم مَنِ انتقل إلى رحاب الله، ومنهم مَنِ انتقل للتدريس بالجامعة، ومنهم مَنِ اجْتَذَبَتْهُ مناصبُ أخرى خارجَ دار الكتب ووزارةِ الثقافة، ومنهم مَن وصل إلى أعلى المناصب في الدار، ومنهم مَنِ ابتُعثوا إلى دُول عربيَّة صديقة؛ فقاموا بدَوْر مُشَرِّف في فهرسة المخطوطات بها، قِلَّة منهم ما زالت تعمل في مركز تحقيق التراث بدار الكتب في بسالة وصمت، قانعةً بالعمل العلميِّ الجادِّ، غيرَ عابِئَةٍ ببَرِيق الوظائف والمناصب الإدارية، ولهؤلاء جميعاً في نفسي رصيد منَ الحب والتقدير لم يَخْلَقْ على مرور الأيام.
أما دار الكتب؛ فرغم أني تركتها للعمل بالجامعة منذ سنة 1970م، إلا أنني أَعُدُّها بيتي الأول، ولا أظن أنها غابت عن خاطري في يوم من الأيام؛ فأنا أتابع أخبارها وأحوالها، وآسَى لما يصيبها من مكروه، وأَسْعَدُ لكل بارقة أمل تلوح في الأُفق وتُبَشِّر بإصلاح ما أفسده الدهر، وفي تقديري أن كل ما أصابها من فساد أو تَخَلُّفٍ وقع بغير قصد منَ القائمين على أمرها والمسئولين الذين تتابعوا على إدارتها، فقد كان لكلٍّ منهم رُؤْيَتُهُ واجتهادُهُ، وكان لكلٍّ منهم مستشاروه وحَوَارِيُّوهُ، ونحن بَشَر نخطئ ونصيب، وليس عَيْباً أن يخطئ المسئول، ولكن العَيْب كلّ العيب أن يُنَبَّهَ إلى الخطأ فلا يرجع عنه.
هذا هو السبب الأول لإقبالي على قراءة هذا الكتاب، والكتابةِ عنه؛ فهو يتناول موضوعاً أَثِيرًا عندي، ويُثِير في نفسي ذكرياتٍ عزيزةً، تحتفظ بها النفس وديعةً غالية، لفترة من أجمل فترات الحياة، ولمجموعة من الصِّحاب يحتلون في قلبي مكاناً مُتَمَيِّزاً، لم يَبْرَحوه رَغْمَ طول الفِراق.
أما السبب الثاني: فهو أن مؤلِّفَ الكتاب صديق عزيز، وابن صديق  عزيز؛ فقد زاملْتُ أباه بِضْعَ سِنِينَ في دار الكتب، كنتُ أَلْقَاهُ كلَّ يوم تقريباً، ولا يكاد يَمْضِي يومٌ دون أن نتناقش ونتحاور في أمور المخطوطات، وفهارسها، وصِيانتها، وتحقيقها، ونَشْرِها؛ فقد كان أمينًا للمخطوطات بالدار، وكان حريصًا على الاحتفاظ بهذا المُسَمَّى لوظيفته دون تغيير، ونَشَرَ عِدَّةَ فَهَارِسَ، وحَقَّقَ كتاب (طبقات الأطباء والحكماء) لابن جلجل، وقدم له بمقدِّمة قَيِّمة تكشف لنا عن قامته العلمية.
أما أَيْمنُ: فقد عَرَفْتُهُ منذُ كان صبياً صغيراً، ثم تابعت مسيرته العلمية في الجامعة وفي الخارج حتى حصل على الدكتوراه، وتابعت جهوده في مجال التحقيق والتأريخ والفهرسة، وأعجبني فيه طُمُوحُهُ وحماسُهُ وغَيْرَتُهُ على التراث، تلك الغَيْرَةُ التي كانت تدفع - في كثير من الأحيان - إلى الحِدَّةِ على مَن يقتحمون المجال بغير علم، ولعل هذه الحِدَّةَ هي التي أفقدته كثيراً من الأرض التي كان يمكن أن يكسبها بجدارة.
فأنا مُحِبٌّ لموضوع الكتاب، ومُحِبٌّ لمؤلفه أيضاً، وبدافع من هذا الحُبِّ قرأتُ الكتاب، وكتبتُ هذه السطور، رغم أني أصبحت من أزهد الناس في الكتابة، كلُّ يوم يمضي يَزِيدُنِي اقتناعي بمَوْقِفِي هذا؛ لكثرة ما يُنْشَرُ من مؤلفات منهوبة، لا يَستَحِي أصحابها، ولا يحترمون درجاتهمُ العلميةَ ومواقِعَهُمُ الأكاديمية، ولا يُطَبِّقون على أنفسهم ما يَتَشَدَّقُونَ به على طُلاَّبِهم، وما يُلقُونَهُ عليهم من محاضراتٍ عن أساسيات البحث العلميِّ، وما ينبغي أن يَتَّسِمَ به من أمانة.
ولهؤلاء وأمثالهم أقول: إن أقدام الزمن ثقيلة، لا يَقوَى عل تحمُّلِها، ولا ينجو من وطأتها إلا العملُ الجيِّدُ، الذي يَفرِض نفسه على الأيام، بصَرْف النظر عن مَوْقِعِ مؤلِّفِهِ، ووَظِيفَتِهِ، ودرجته العلمية، وصدق الله العظيم إذ يقول: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد : 17].
من أجل ذلك؛ فأنا لا أكتب إلا عن عمل جيِّد يستحق القراءة، أما الأعمال "المضروبة" – على حد تعبير العوامِّ – فلا أُعِيرُها التفاتًا مهما كَثُرَتْ أعدادها، وتضخَّمَتْ أحجامها، وعلا صُراخ أصحابها؛ لأنها تَجْتَرُّ كتاباتِ الآخَرِينَ؛ فهي كغُثاء السَّيْلِ، لا قيمة لها، ولا جديد فيها، ولأن مؤلفيها لم يتجردوا منَ الأمانة العلمية فحَسْبُ، وإنما تَجَرَّدوا مما هو أكثر، وهو الحياء العلميُّ، ومن لا يَحْتَرِمْ نفسه لا يَنْتَظِرْ من الناس أن يحترموه.
 وأخيراً: لأن وقت الإنسان - الكاتبِ والقارِئِ معاً - أَثْمَنُ من أن يُنْفَقَ فيما لا طائل ورائه، ولا خير فيه.
فالكتاب الذي بين أيدينا صدر عام 1997م بعنوان (الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات)، يقع في مجلدين يضمان أكثر من 600 صفحة، بالإضافة إلى 176 لوحة مصورة من المخطوطات. أما مادته العلمية فتتوزع على ثلاثة أبواب: أولها عن الكتاب العربي المخطوط في المصادر، وثانيها عن الكتاب العربي المخطوط كما وصل إلينا، وثالثها النماذج.
وأبادر فأقول: إن الكتاب يكشف عن جهد ضخم بذله مؤلفه في جمع مادته، وإنه يضم معلومات قيمة وموثقة توثيقاً جيداً، وإن إخراجه متميز؛ سواء في ورقة، أو حروف طباعته، أو تجليده، أو اللوحات التوضيحية التي تضمنها وما عليها من شروح، وإنه يسد فراغاً في المكتبة العربية التي ندرت فيها الكتابات الجيدة حول هذا الموضوع، وكثير مما ينشر منقول عن الآخرين بأمانة حيناً، وبغير أمانة أكثر الأحيان*.
ولكني مع ذلك أستأذن المؤلف في أن أسجل بعض الملاحظات التي يغريني بها حبي له ولموضوع الكتاب، وتتلخص تلك الملاحظات فيما يلي:
أولاً: أن عنوان الكتاب هو: الكتاب العربي المخطوط وعلم  المخطوطات، وهو عنوان جيد ولا شك، ولكنه لا يعبر تعبيراً دقيقا عن محتويات الكتاب؛ ففي حديثه عن صناعة المخطوط نراه يتحدث عن الورق والمداد والتجليد والخط، ولكنه لا يذكر شيئاً عن أساليب كتابة المخطوط، والاختصارات والرموز التي كانت تستخدم، وكيفية تصويب الأخطاء، والإلحاق بالحواشي، وغير ذلك من الأمور التي يصعب فهم النص واستيعابه بدون معرفتها، يضاف إلى ذلك أن من يقرأ الكتاب لا يخرج بتصور واضح أو باهت عن علم المخطوطات: ماذا يقصد به المؤلف؟ وما هي حدوده ومجالاته؟
قد يقول قائل: إن المؤلف تحدث عن الفهرسة والتحقيق والنشر، وهي من علوم المخطوطات، ولكن لماذا يترك للقارئ أن يجتهد في جمع خيوط هذا العلم المتفرقة في صفحات لكتاب، والموزعة على البابين، دون رابط يربطها؟! وهل الخط والفهرسة والتحقيق هي كل مجالات علم المخطوطات؟
ثانياً: أن الكتاب يجمع أشتاتًا متفرقة من المعلومات، ولكنه يفتقر  إلى وضوح الرؤية في عرض هذه المعلومات بطريقة منطقية، تتسلسل فيها الأفكار وكأنها حلقات متصلة، يأخذ بعضها برقاب بعض، ويستبعد منها ما يشذ بها عن السياق، ولهذا يسهل على القارئ أن يعيد ترتيب عناصر الكتاب دون أن يسبب ذلك خللاً في بنائه؛ بل إن إعادة الترتيب قد تظهره في صورة أفضل.
وتلك نقطة تحتاج إلى بعض الأمثلة التي توضحها:
1 – فقد تحدث عن صناعة المخطوط العربي (الورق والحبر والتجليد) في الباب الأول، في حين تكلم عن زخارف المخطوطات، وعن الإجازات والسماعات والمقابلات في الباب الثاني، وهي موضوعات من صميم صناعة المخطوط.
2- وفي حديثه عن صناعة المخطوط (ص ص 13 – 46) تكلم عن أربعة عناصر، هي: المواد التي يكتب عليها، والأحبار، والتجليد، والتعقيبة. ولا يخفى أن الحديث عن التعقيبة (ص ص 45 – 46) قد أتى في غير موضعه.
3- وفي الباب الأول تحدث عن الخط العربي وتطوره، في حين جاء الحديث عن ضبط الكتابة العربية في الباب الثاني. وفي حديثه عن تطور الخط العربي (ص ص 47 – 72) تعرض للخط العربي المبكر، وخطوط المصاحف المبكرة، وكتاب المصحف، والشكل، والإعجام، وأخيراً تطور الخط العربي (ص ص 55 – 72). والحديث عن كتاب المصحف هنا (ص ص 51 – 52) لا محل له من الإعراب كما يقول النحاة.
4- كذلك تحدث عن الأمالي في باب، وعن المسودات والمبيضات في باب آخر، وكان الأولى أن يلحق الحديث عن المسودات والمبيضات الذي ورد في الباب الثاني بالحديث عن الأمالي في الباب الأول، بدليل أن المؤلف نفسه بدأ كلامه عن المسودات والمبيضات في الباب الثاني بقوله في (ص 331): "استكمالاً لما ذكر في الباب الأول، حول طرق التأليف عند العلماء المسلمين...".
5- وفي الصفحات (364 – 368) يتحدث عن التأليف الأول والتأليف الثاني،وتحت هذا العنوان نجد صفحتين لا صلة لهما بالموضوع، هما (367، 368) اللتان يتحدث فيهما المؤلف عن نسخة من كتاب "الفهرست"، تفرقت بين مكتبة شيستربيتي في دبلن، ومكتبة شهيد علي باشا في إستانبول.
6- وفي (ص ص 369 – 397) يتناول المخطوطات المزينة بالمنمنات؛ فيقسمها إلى قسمين: الكتب الأدبية، والكتب العلمية. وتحت الكتب الأدبية يذكر تصاوير كتابي (البيطرة) و(الحشائش) (ص 382)، مع أنه يذكر (مختصر البيطرة) تحت الكتب العلمية في (ص 387).
ومن مظاهر الخلط في الكتاب أيضاً:
أ- أن المؤلف ذكر في المقدمة (ص 9) أن "هذا الكتاب محاولة لدراسة كوديكولوجيا الكتاب العربي المخطوط في الشرق على وجه خاص". وعرف الكوديكولوجيا في (ص 1) بأنها: "علم خاص بدراسة الشكل المادي للمخطوطات". فهل الفهرسة والتحقيق والنشر، والصيانة والترميم، والمكتبات الإسلامية، وهواة الكتب، ومجموعات المخطوطات في تركيا وأوروبا، وفهارس جامع القيروان والتربة الأشرفية من دراسة الشكل المادي للمخطوطات؟
ب- أنه عندما تعرض للحديث عن فهارس المكتبات القديمة نراه يخلط بين نوعين من الأعمال الببليوجرافية، هما: الفهارس والقوائم الببليوجرافية. فالكتب التي تحصي مؤلفات كاتب معين، أو الكتابات التي صدرت في موضوع معين، أو المترجمات في عصر معين (ص ص 521 – 523) – مثلاً – ليست فهارس، وإنما هي قوائم ببليوجرافية، أو ببليوجرافيات حصرية.
ج- أنه وضع في (ص 545) عنواناً يقول: "تحقيق المخطوطات ونشرها، أو الدراسات الفيلولوجية للمخطوط". وعرف الدراسة الفيلولوجية في الصفحة نفسها بأنها: "التي تُعنى بنص الكتاب، ومضمونه العلمي الذي كتبه المؤلف بنفسه، والتي اصطلح على تسميتها (تحقيق النصوص)". وأريد أن أسأله: من الذي اصطلح على هذه التسمية؟ إن للألفاظ دلالاتها اللغوية، ولبعضها دلالات اصطلاحية يستخدمها أهل الاختصاص، وأتصور أن أيمن يعدني من أهل الاختصاص، ولكني لا أعرف أحداً استخدم مصطلح (الدراسة الفيلولوجية) بديلاً عن (التحقيق).
وأيمن درس في فرنسا، فهلا رجع إلى المعاجم الفرنسية ليتأكد من أن المصطلحين ليسا مترادفين؟
ثالثاً: ويتصل بالنقطة السابقة الخاصة بالمنهج وطريقة العرض؛ أن  المؤلف يفصِّل حينما تتوافر لديه معلومات عن موضوع معين، ويوجز أو يصمت تماماً حينما تعز عليه المعلومات، دون أن يحاول استكمال الصورة، وسد الخلل فيها. وكان ينبغي أن يضع لنفسه منهجاً محدداً، وأن يلتزم خطاً واضحاً ينتظم جميع أفكاره، وكأنها حبات من الجوهر تنسجم في عقد جميل.


ومن الأمثلة على صدق ما أقول:
1- أنه ذكر في (ص 80) أكثر من عشر طرق للتأليف، ولكنه لم يتحدث إلا عن الترجمة (ص ص 80 – 85)، ثم الأمالي (ص ص 85 – 94)، ولا يخفى أن الترجمة ليست تأليفاً، وأن الأمالي ليست الطريقة الوحيدة للتأليف.
2- أنه عندما تحدث عن المكتبات الإسلامية وهواة الكتب (ص ص 233 – 288) لم يذكر من مكتبات العصر الحديث سوى مجموعتين من المكتبات المهداة لدار الكتب المصرية، هما مجموعة مصطفى فاضل ومجموعة أحمد تيمور (ص ص 278 – 288).
3- أنه عندما ذكر وثائق الوقف الشاملة (ص ص 443 – 447) اقتصر حديثه على النقل من دراسة عبد اللطيف إبراهيم لوثيقتين، إحداهم مملوكية، والأخرى عثمانية، وختم حديثه بنقل نص من دفتر الشيخ خالد النقشبندي المجددي بمكتبة الأسد، يقف فيه الكتب الموجودة بمكتبته على ذريته، دون أي تعليق!!.
4-= أنه عندما أراد التعريف بمجموعات المخطوطات العربية في العالم لم يتعرض إلا لتركيا (ص ص 510 – 512)، وأوربا (ص ص 512 – 520)، وعندما أراد الحديث عن فهارس المكتبات القديمة ( ص 521) ذكر كلاماً عاماً، ثم ركز على فهرست خزانة التربة الأشرفية وسجل مكتبة جامع القيروان ( ص ص 526 – 530)، وكأن فهارس هاتين المكتبتين هي أهم فهارس المكتبات الإسلامية.
5- أنه يشير في (ص 538) إلى مشروع تطوير دار الكتب المصرية، ويذكر أنه كلف به في مايو 1992، وأن هذا المشروع يقدم "بيانات ببليوجرافية كاملة عن مؤلفي هذه الكتب، وعن ما نشر منها، سواء في طبعات علمية محققة، أو نشرات تجارية" ثم يذكر في (ص 540) أن العمل توقف في المشروع في أغسطس 1993. وقد صدر كتابه في يولية 1997، أي بعد أربع سنوات من توقف المشروع، ولست أدري كيف يطوي تلك الصفحة بهذه السهولة دون أن يحدثنا عما تم إنجازه من المشروع الذي كلف به، وعن أسباب توقفه، وهل هناك أمل في بعثه من جديد؟
لقد ذكر أنه بدأ العمل في أول قاعدة بيانات من نوعها عن المخطوطات العربية، وأن هذه القاعدة توافرت لها إمكانات كبيرة، تكفل لها الاستمرار والنجاح. فماذا أصابها؟ وأين ذهب قرار "التكليف"؟
6- أنه تحت عنوان: إتاحة المخطوطات (ص 541) قصر حديثه على منع الاطلاع على المخطوطات الأصلية بدار الكتب بالقاهرة منذ أكتوبر 1986، وعلى القيود التي تفرضها الدار على تصوير المخطوطات، وأنا أتفق معه ومع ويتكام في الرأي، ولكني أذكره  بأن الكتاب ليس عن مخطوطات دار الكتب المصرية، وإنما عن (المخطوطات العربية وعلم المخطوطات).
رابعاً: أن الإطناب سمة عامة في الكتاب، والأمثلة على ذلك كثيرة، ويكفي أن نذكر منها أن به خمسين صفحة (ص ص 955 – 145) عن اهتمام القدماء بالنسخ الأصلية، وأكثر من ستين صفحة (ص ص 167 – 230) عن الوراقين والعلماء المشهورين بجودة الخط، وهذا كثير بجميع المعايير.
خامساً: أنه يفرط في ذكر النماذج. صحيح أن النماذج مطلوبة،  ولكن ليس بهذه الصورة الاستفزازية، خاصة أن المؤلف يكتفي بعرضها دون أن يخضعها للدراسة والتحليل، والاستنباط والتفسير، ومن الأمثلة على ذلك الصفحات (331 – 360) التي تقدم نماذج للمسودات والمبيضات، و(402 – 415) التي تعرض نماذج لقيد الفراغ من النسخة، و(428 – 442) التي تقدم نماذج للوقف، و(454 – 472) التي تذكر نماذج للتمليكات والهبات، والنسخ المكتوبة لخزائن العلماء، و(485 – 5077) التي تعرض نماذج من الإجازات، وروايات الكتب، وقيود التصحيح والمقابلة والمعارضة، وبعض هذه النماذج يسرف في الطول كما في (ص ص 436 – 438).
سادساً: أنه يلوي أعناق بعض النصوص، ويحملها فوق ما تحتمل، ويستنتج منها أشياء لا تبوح بها؛ ففي (ص 466) - مثلاً - يتحدث عن التعقيبات، وأنها وجدت في مخطوطات القرن الثالث الهجري، ويستشهد على ذلك بقوله: "ويؤكد ذلك ما أورده الخطيب البغدادي في ترجمة أبي الحسن علي بن المغيرة الأثرم.." وينقل نصاً لا صلة له بالتعقيبات من قريب أو بعيد، نصاً مؤداه أن إسماعيل بن صبيح الكاتب أحضر الأثرم، ودفع إليه كتب أبي عبيدة لينسخها، وأن الأثرم كان يقرأ على أبي عبيدة ويسمعه. ويعقب على ذلك بقوله: "فهذا الذي فعله الأثرم لا يمكن أن يتم إلا إذا كان هناك نوع من الترقيم، هو دون شك التعقيبة".
سابعاً: أنه يصدر أحكاماً شخصية قاطعة لا يقوم عليها أي دليل،  ومثال ذلك عبارة "دون شك" التي وردت في تعليقه على نسخ الأثرم لكتب أبي عبيدة في الفقرة السابقة، وقوله في (ص 524): "فلا شك أن جميع المكتبات الإسلامية منذ أول مكتبة أنشأها خالد بن يزيد بن معاوية كانت لها فهارس تعرِّف بمقتنياتها". وقد امتدت هذه الأحكام إلى المخطوطات والكتب، فهو في (ص 13) ينقل عن إبراهيم شبوح - دون أن يذكر ذلك - أن كتاب (عمدة الكتاب وعدة ذوي الألباب): "أشمل ما وضع في صناعة الكتاب المخطوط". وفي (ص 37) يصف كتاب (التيسير في صناعة التسطير) للشيخ بكر بن إبراهيم الإشبيلي بأنه: "أشمل كتاب تناول موضوع تجليد الكتب". وفي (ص 74) يصف كتاب (تاريخ التراث العربي) لسزجين بأنه: "أحسن ما كتب في هذا الموضوع". وفي (ص 304) يقول: إن مصحف أما جور هو: "أول المصاحف الكوفية التي وصلت إلينا". ويبدو أن مؤلفنا مغرم بأفعل التفضيل، بدءاً من اسمه، وانتهاء بالأوصاف التي يحلو له أن يخلعها على الكتب والمؤلفين.
ثامناً: أنه يتجاهل نسبة الآراء إلى أصحابها في بعض الأحيان؛ فحديثه في (ص ص 99، 5233) عن الأعمال الببليوجرافية السابقة التي نقل عنها ابن النديم في (فهرسته) - ولاحظ البعد بين النصين - يعتمد أساساً على ما كتبه كاتب هذه السطور عن نشأة على الببليوجرافيا عند المسلمين، ونشر في مجلة (الدارة). ع3 – 4، السنة الثانية، (شوال 1396هـ/ أكتوبر 1976م)، وأعيد نشره في كتاب (دراسات في الكتب والمكتبات) سنة 1988. ومع ذلك لم يشر المؤلف إلى المصدر، ولم يذكره في قائمة المراجع. وكثير مما ذكره عن الوراقة والوراقين اعتمد فيه على كتاب (المخطوط العربي)، وكان ينبغي الإشارة إلى هذا الكتاب على الأقل في (ص 149) التي يناقش فيها شكوى أبي حيان من كساد الوراقة، وفي (ص ص 150 – 151) اللتين يتحدث فيهما عن أنواع الوراقين، وفي (ص ص 161 – 162) اللتين يتحدث فيهما عن انتحال الوراقين للكتب، دون أن يخل ذلك بذكر المصادر القديمة التي اكتفى بها المؤلف.
تاسعاً: أن لغة الكتاب جيدة، وأسلوبه سلس، ومع ذلك فلم يسلم  من الأخطاء النحوية، ومن بعض الصياغات السقيمة؛ فمن الأخطاء النحوية:
أ- قوله في (ص2 - سطر 23): "ولا نجد فيها مقدمات أو فصول مستقلة...".
ب- وقوله في (ص 380 - سطر 5): "وهي تمثل رجل ملتحيينحني على الأرض، ويسحب جمل ينحني برأسه أيضاً إلى  الأرض".
ج- وقوله في (ص 444 - سطر 20): "تذكر لنا أنواع مختلفة من  جلود الكتب والمصاحف".
د- وقوله في (ص 546 - سطر 17): "وضع بلاشير وسفاجيهقواعداً لنشر وترجمة النصوص العربية". 
ومن الصياغات السقيمة: ما جاء في (ص 535) من أنه في  فهرسة النسخة المخطوطة "يشار إلى إذا كانت ألفاظها مضبوطة بالحركات.. وإلى إذا كانت عناوين أبوابها وفصولها بخط أكبر من خط المتن.. ويشار كذلك إلى إذا كان بالنسخة تذهيب أو منمنات".
عاشرً: أن الكتاب تضمن بعض الآراء التي أرجو أن يتسع صدر  المؤلف لمناقشتها معه بهدوء، وأن يراجع نفسه إذا استبان له وجه الصواب فيها، ومن هذه الآراء:
1- رفضه الرأي القائل بأن الحديث النبوي الشريف لم يدون إلا في القرن الثاني الهجري؛ فهو يتبنى رأي يوسف العش، وينقل عنه في (ص 73) أنه "اشتهر بين عامة الناس من غير ذوي التتبع والاستقصاء، أن الحديث ظل أكثر من مائة سنة يتناقله العلماء حفظاً، دون أن يكتبوه". ويعقب على ذلك بقوله: إن "الدراسات المتوافرة لدينا - فيما عدا استثناءات طفيفة - تصر عل مفهوم خاطئ، مؤداه أن الرواية الإسلامية لم تكن إلا شفوية"، وإن الخطيب البغدادي ألف كتابه (تقييد العلم) "ليوضح فيه خطأ هذه الفكرة".
ويستطرد فيقول في (ص ص 74 – 75): "ثم توافر على درس هذه القضية العالم التركي فؤاد سزجين في كتابه (تاريخ التراث العربي) الذي يعد أحسن ما كتب في هذا الموضوع، ووصل فيه إلى نتائج هامة سأعتمد عليها فيما يلي؛ فهو يرى أن هذا المفهوم الخاطئ والغريب يرجع إلى سوء فهم الرواية الإسلامية ذات الشكل المتميز الفريد".
وأريد أن أسأل أيمن فؤاد عن رأيه في الأحاديث الصحيحة التي لا يرقى إليها شك، والتي تنهى عن كتابة الحديث نهياً صريحاً جازماً، وأريد أن أسأله أيضًا: أيهما أولى بالتصديق: الخطيب البغدادي أم فؤاد سزجين؟ وكيف فهم من كلام الخطيب في (تقييد العلم) أنه أراد بكتابه "أن يوضح خطأ هذه الفكرة". أية فكرة يا سيدي؟! المسألة ببساطة أن الخطيب البغدادي وجد أحاديث صحيحة تنهي عن كتابة كلام النبي - صلى الله عليه وسلم، وأحاديث أخرى صحيحة أيضاً تبيح الكتابة، فجمع هذه بأسانيدها في فصل، وجمع تلك بأسانيدها في فصل ثانٍ، وعقد فصلاً ثالثاً لمناقشة القضية، انتهى فيه إلى أن الأصل هو النهي عن كتابة الحديث النبوي، والاستثناء هو الإباحة، وعلل النهي عن الكتابة بأمرين:


أولهما: خوف النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن يخلط المسلمون في تلك الفترة المبكرة من تاريخ الدعوة بين آيات القرآن الكريم - التي كانت تترى، ولم يكن قد اكتمل نزولها بعد - وبين أحاديثه - صلى الله عليه وسلم. أما السبب الثاني: فهو حرصه - صلى الله عليه وسلم - على ألا يركن المسلمون إلى الكتابة ويتركوا الحفظ، وفى الحالات التي اطمأن فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن الصحابة لن يخلطوا بين كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم؛ كان يبيح لهم الكتابة، كما فعل مع عبد الله بن عمرو بن العاص، وفي الحالات التي كانت تستعصي فيها الذاكرة؛ كان يبيح الكتابة أيضاً، كما فعل بالنسبة لأبي شاة، الذي قدم من اليمن ليتلقى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن ذاكرته كانت في إجازة مفتوحة، وخشي أن يعود إلى اليمن وقد نسى كل ما سمعه من الرسول - صلى الله عليه وسلم؛ فشكا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((اكتبوا لأبي شاة)).
لن يفهم سزجين من كلام الخطيب أكثر مما نفهم، ولا ينبغي أن نستنبط من النصوص إلا ما تبوح به طواعية، ثم إن أيمن نفسه يعترف في (ص 76) بأن عمر عبد العزيز كلف محمد بن حزم بمهمة جمع الأحاديث، وأن ابن شهاب الزهري "أول من دون الحديث"، ولن ينقض هذا الرأي إلا ظهور كتب في الحديث النبوي ترجع إلى القرن الأول الهجري.
2- أنه يرهق المفهرسين من أمرهم عسراً شديداً، ويحملهم ما لا طاقة لهم به، حين يطالبهم في (ص 536) بأن يحددوا إذا كان الكتاب قد سبق نشره، وأن يذكروا أماكن هذا النشر وتواريخه، وليس ذلك من مهام المفهرسين؛ للسبب نفسه المذكور في الفقرة السابقة، ففي الأعمال الببليوجرافية يمكن أن تذكر هذه المعلومة، أما المفهرس فإن مهمته تنحصر في التعريف بالنسخة التي أمامه، وليس مطالباً بأن يتتبع النسخ الأخرى من المخطوط، أو أن يبحث إن كان قد نشر أم لا؟ ومتى نشر؟ وأين نشر؟.
3- أنه يطالب مفهرسي المخطوطات في (ص 537) بالإشارة إلى تواريخ مجموعات المخطوطات المختلفة، وأصحاب هذه المجموعات، وذلك أيضاً من لزوم ما لا يلزم.
وبعد... فقد سعدت بقراءة كتاب أيمن فؤاد سيد عن (الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات)، وأختم حديثي بما بدأته به؛ وهو الإشادة بالجهد الكبير الذي بذله المؤلف في جمع مادة كتابه، وبالتوثيق الدقيق لمعلوماته، وبأهمية اللوحات التي أثرى بها الكتاب.
وكلي أمل في أن ينظر في كل ما ذكرته هنا من تعليقات وتساؤلات؛ حتى تصدر الطبعة الثانية من الكتاب أكثر نضجاً، وأعمق تأصيلاً لعلم المخطوطات.

المنهج العلمي في ترتيب نسخ المخطوط ـ تأليف ـ الأستاذ الدكتور أنس محمد جاسم المشهداني

المنهج العلمي في ترتيب نسخ المخطوط ـ تأليف ـ الأستاذ الدكتور أنس محمد جاسم المشهداني ـ مطبعة أنوار دجلة ـ بغداد ـ الطبعة الأولى ـ 1438هـ/ 2017م 

قواعد تحقيق المخطوطات

قواعد تحقيق المخطوطات للدكتور صلاح الدين المنجد ، دار الكتاب الجديد، بيروت، ط 7، 1987م. 

ضبط النص والتعليق عليه

ضبط النص والتعليق عليه للدكتور بشار عواد معروف ، مؤسسة الرسالة، 1402هـ ـ 1982م. 

المنهاج في تأليف البحوث وتحقيق المخطوطات

المنهاج في تأليف البحوث وتحقيق المخطوطات" للدكتور محمد ألتونجي ، عالم الكتب، ط2 ، 1415هـ ـ 1995م. 

منهج تحقيق المخطوطات، تأليف إياد خالد الطباع

 منهج تحقيق المخطوطات، تأليف إياد خالد الطباع، دار الفكر – دمشق، ط 1، 1423هـ ـ 2003م. ومعه كتاب"شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام" لابن وحشية النبطي. 

تحقيق المخطوطات بين النظرية والتطبيق

تحقيق المخطوطات بين النظرية والتطبيق للدكتور فهمي سعد ، والدكتور طلال مجذوب ، عالم الكتب، ط1، 1413هـ ـ 1992م. 

أهمية تحقيق التراث الفقهي ـ منشور على موقع المركز العلمي لدراسة وتحقيق المخطوطات

أهمية تحقيق التراث الفقهي 
فضل الله ممتاز



التحقيق هو:" بذل غاية الوسع والجهد لإخراج النص التراثي مطابقا لحقيقة أصله نسبةً ومتنا مع حل مشكلاته وكشف غوامضه[1]".


ويهدف التحقيق إلى إخراج النصوص التراثية للناس للاستفادة منها في بناء معارفهم وتطويرها، ويعتبر هذا المجال من الأولويات العلمية التي يجب أن تسيطر على اهتمام الباحثين في التراث جملة والعلوم الشرعية بصفة أخص وآكد وذلك للمبررات الآتية:
1.     إن أمتنا تملك الملايين من المخطوطات في تراثنا الإسلامي- ومن ذلك ما يتعلق بالفقه وأصوله- ولم يحقق منها إلا القليل، وإن كثيرا من كتب التراث لا نعلمها إلا من خلال كتب الرجال والطبقات والفهارس وغيرها، أو تصل أخبار وجودها مخطوطة في بعض الخزائن العلمية دون أن يصل الخبر بخروجها إلى عالم النور، وما أخرج ونشر فإن أغلبه لم يحض بتحقيق علمي[2].
2.     إن تحقيق التراث يعتبر شرطا ضروريا لبناء الذات في الحاضر والمستقبل إذ لايمكن أن تتم البحوث الموضوعية الأخرى إلا مبنية في جزء كبير منها على النصوص التراثية وهذه النصوص إن لم تخدم وتحقق فكيف يمكن الاعتماد عليها لذلك يقول الخبراء:" إن قضية النصوص هي القضية الأساس التي يجب أن تواجه من قبل جميع الدارسين بحزم وإلا ظلت البحوث كسيحة، والدراسات ناقصة، والصور والرؤى مضطربة، والأحكام العلمية العامة غير ممكنة"[3].
وإن كثيرا من القضايا والمعارف يساعد على فهمها بشكل صحيح العودة إلى الأمهات والمصادر الأصلية من كتب التراث ولن يتحقق ذلك إلا بإخراج تلك الأمهات والمصادر محققة إلى عالم النور، لذلك يجب أن توجه الجهود إلى هذا العمل الجليل وبذل الوسع في تحقيق التراث وإخراجه.
3.     إن أمتنا تملك مخزونا تراثيا ضخما يمثل كنوزا علمية كبرى في كل المجالات، وقد قدرها بعض المحققين (( بثلاثة ملايين أو أربعة ملايين، وأوصل بعضهم عددها إلى خمسة ملايين عدا مالم تنله الأيدي، ولم تبلغه الأعين ... ويخمن ماطبع من التراث العربي منذ ظهور الطباعة بما لايزيد على واحد في المائة أي أن 99% من المخطوطات العربية يحتاج إلى الكشف والتعريف والتحقيق))[4] وإن من أبرز تلك  المخطوطات وأولاها بالتحقيق ما يتعلق بالدراسات الفقهية والأصولية حيث يوجد الآلاف من المخطوطات التي لم تحقق بعد، وتنتظر من الباحثين أن يشمروا عن سواعد الجهد ويقوموا بتحقيقها حتى يخرجوها إلى عالم المعرفة اليوم لتساهم في النهضة الحضارية للأمة الإسلامية.
4.     إن مما يؤسف له أن تراثنا الإسلامي الضخم لم يسلم من عبث العابثين إذ تعرضت المكتبات الإسلامية على مر العصور للنهب والسلب، أو الائتلاف والحرق، وأبرز مثال على ذلك ما قام به المغول على يد هولاكو فقد اجتاحوا بلاد المشرق، ودخلوا بغداد وأسقطوا عاصمة الخلافة العباسية، وأكثروا من السلب والقتل، والدمار، وأخذوا الكتب ورموها في نهر دجلة، حتى أن آثار المداد أخذت تطفو على نهر دجلة لكثرة الكتب التي غرقت فيه[5].
وحدث أيضا في مدينة قرطبة في الأندلس بعد سقوطها بيد النصارى حيث جاءوا بالكتب إلى الميادين العامة وأحرقوها، ويقدر عددها بالآلاف، ووصل الأمر إلى أن حيازة الكتب الإسلامية يعتبر جريمة يحاسب عليها القانون، فلجأ بعض المسلمين إلى وضعها داخل جدران بيوتهم، وعندما هدمت بعض الدور في العقدين الأخيرين في أسبانية عثروا عليها[6]. وإضافة للأحداث العسكرية التي أحدثت الدمار بجزء كبير من تراثنا الإسلامي، فإن عوامل التعرية كان لها نصيب كبير في إتلاف المخطوطات وطمس معالمها.
5.     لايمكن إغفال أثر النشاط الإستشراقي في التعامل مع تراثنا الإسلامي ومدى خطورته في تشويه التراث وتزييفه[7]على الرغم من أن الجهود التي بذلها المستشرقون في تحقيق التراث كانت ضخمة وواسعة.
6.     وللأسف فإن كثيرا من كتب التراث الإسلامي – التي طبعت – لم تحض بتحقيق علمي رصين، ويصعب الاعتماد عليها فهي مليئة بالأخطاء، والتصحيف والتحريف لذلك لابد أن تتجه الجهود إلى كتب التراث بالتحقيق والتمحيص حتى تخرج جلية كما وضعها مؤلفوها[8].
7.     إن تحقيق المخطوطات مع أهميته في إحياء التراث ونشره فإنه في الوقت ذاته خطير جدا إذا قام به من ليس أمينا عليه أو من لا يجيد التحقيق حيث يعبث بالمخطوط ويشوه محتواه ويصرفه إلى غير وجهته، ولهذا لابد أن يتولى التحقيق المؤهلون له ووفق القواعد المنهجية لهذا الفن لتخرج المخطوطات بذلك كما وضعها مؤلفوها بدون زيادة في النص ولا نقصان.
المرجع



[1]. أبجديات البحث في العلوم الشرعية ص142.
[2]. أبجديات البحث في العلوم الشرعية، 142.
[3]. أبجديات البحث في العلوم الشرعية ص143 وهو أشار في الهامش إلى كتاب مصطلحات النقد العربي ص43.
[4]. أبجديات البحث في العلوم الشرعية ص144 وهو أحال على علم الكتب مج1 ع4  ص651 نقلا عم مصطلحات النقد العربي هامش43.
[5]. المنهج الحديث للبحث في العلوم الإنسانية للدكتور فاروق السامرائي طبعة دار الفرقان الأردن ت ط1 – 1996 ص117
[6]. منهاج البحث وتحقيق المخطوطات للدكتور/ أكرم ضياء العمري، مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة 1995م ص123.
[7]. الاستشراق والمستشرقون مالهم وماعليهم، للدكتور مصطفى السباعي مكتبة دار البيان، الكويت 1968م ص30-39.
[8]. التراث والمعاصرة للدكتور أكرم ضياء العمري، كتاب الأمة (10) ط1، رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية، قطر 1405هـ ص38-40.

تابعنا على الشبكات الاجتماعية